اعتماداتهم على النعوت، والتأكيدات، والضمائر وغيرها لا مدخل للعرف فيها، بل لغة صرفة، وإنما هو على كلام العرب، دون اصطلاحات أهل العرف، ومن تأمل استدلالاتهم، لا يجدها إلا كذلك في جميع الكتب الموضوعة في أصول الفقه.
وثالثها: سلمنا أنهم بحثوا عن الحقيقة العرفية؛ فما يعرضونها على الحقيقة اللغوية أصلا، ولا يذكرونها ألبة، بل كل موطن ذكروا فيه الحقيقة، قرروا فيه الحقيقة اللغوية، وبينوا وجه النقل عنها في العرف؛ هذه عادتهم، وهاهنا لم يتعرضوا لذلك أصلا، [ولا يذكرونها ألبتة]، بل إنما يذكرون موضوعات العرب في الضمائر، والأسماء الظاهرة؛ فذلك يوجب القطع بأن مرادهم الحقيقة اللغوية، دون العرفية.
ومنهم: من يجيب بأن جمع الكثرة يصدق على ما دون العشرة حقيقة، وإنما جمع القلة لا يتعدى العشرة؛ فعلى هذا يكون أقل الجمع مطلقا اثنين، وهذا باطل؛ لأن الزمخشري وبان الأعرابي وغيرهما نصوا على أن لفظ جمع الكثرة لا يستعمل فيما دون العشرة إلا مستعارا، ولو كان حقيقة فيما دون العشرة، لما صح قولهم: إنه مستعار، وكتب المفسرين مملوءة من ذلك، خصوصا (الكشاف) فما بقى الخلوص عن هذه الإشكال إلا بالطعن في هذه النقول، ولا سبيل إليه؛ فيبقى الكلام مشكلا.
(فائدة)
ضابط جمع القلة: اللفظ الموضوع لضم الشيء إلى مثله، أو إلى أكثر منه؛ على الخلاف في أصل مسماه؛ بوصف كونه لا يتعدى العشرة، وضابط مسمى جمع الكثرة: أنه اللفظ الموضوع للأحد عشر فما فوقها من غير حصر، وهذا علة ما لم يعرف من الجموع، فإذا عرفت، صارت كلها