وهو ما روى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث رسله إلى القبائل؛ لتعليم الأحكام مع أن كل واحد من أولئك الرسل ما كانوا بالغين حد التواتر.
واعترض أبو الحسين البصري على هذه الدلالة بسؤال واقع، فقال: كان يبعثهم إلى القبائل للفتوى، أو لرواية الخبر؟.
الأول مسلم، والثاني ممنوع:
بيانه: أن العوام في القبائل، كانوا أكثر من المجتهدين، فكانت حاجتهم إلى الفتوى أشد من حاجتهم إلى من يروى لهم الخبر؛ ليحتجوا به.
وبالجملة: هب أن هذا الاحتمال ليس أظهر؛ لكن لا بد من قيام الدلالة على قطع هذا الاحتمال، ليتم الاستدلال.
(المسلك الثالث)
قال القرافي: قوله: (كان عليه السلام يبعث رسله إلى القبائل، ولم يبلغوا حد التواتر):
قلنا: تقدم للتبريزي سؤال في غير هذا الموضع، وهو أنه-عليه السلام- إنما كان يقتصر على ذلك للضرورة؛ لأنه لو بعث لكل طائفة من يحصل بخبرهم العلم لم يجده، ولم يبق عنده أحد.
قال: ولذلك كانت رسله-عليه السلام- تبلغهم العقائد التي يشترط فيها العلم في زماننا، فعملنا أن تلك الحالة مستثناه للضرورة، بخلاف زماننا هذا.