[المسألة التاسعة: في أن المجاز غير غالب على اللغات]
قال أبو الفتح بن جني: أكثر اللغة مجاز: أما في الأفعال، فنحو قولك:(قام زيد، وقعد عمرو) فإن الفعل يفيد المصدر، فقولك:(قام زيد) معناه: كان منه القيام، أي: هذا الجنس من الفعل، والجنس يتناول جميع الأفراد، ومعلوم أنه لم يكن منه جميع القيام؛ لأنه لا يجتمع لإنسان واحد في وقت واحد، ولا في مائة ألف سنة- القيام كله الداخل تحت الوهم.
أقول: هذا ركيك؛ لأنه ظن أن المصدر لفظ دال على جميع أشخاص تلك الماهية، وهو باطل، بل المصدر لفظ دال على الماهية، أعني: القدر المشترك بين الواحد والكل، والماهية من حيث هي هي لا تستلزم الوحدة ولا الكثرة؛ وإذا كان كذلك، كان الفعل المشتق منه لا دلالة له على الكثرة، ولا على الوحدة.
وقال أيضا: قولك (ضربت عمرا) مجاز من جهة أخرى؛ لأنك إنما ضربت بعضه لا جميعه، ولهذا احتاط الإنسان قال: ضربت رأسه، وهذا أيضا يكون مجازا، وذلك عندما إذا ضربت جانبا من جوانب رأسه فقط.
اعترض أبو محمد بن متويه، فقال: المتألم بالضرب جملة عمرو، لا عضو منه.
أقول: هذا الاعتراض ساقط؛ لأن ابن جني إنما ألزم المجاز في لفظ الضرب لا في لفظ التألم، والضرب عبارة عن إمساس جسم حيوان بعنف، والإمساس حكم يرجع إلى الأجزاء، لا إلى الجملة بالاتفاق؛ فكان المضروب بالحقيقة هو الجزء الممسوس فقط؛ فظهر سقوط هذا الاعتراض.
وأقول: هاهنا وجوه أخر من المجازات السائغة؛ فإني إذا قلت: (ضربت