الإجماع إنما ينعقد دليلًا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه ما دام، عليه الصلاة والسلام حيا، لم ينعقد الإجماع من دونه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سيد المؤمنين، ومتى وجد قوله عليه الصلاة والسلام، فلا عبرة بقول غيره، فإذن الإجماع إنما ينعقد دليلًا بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذا ثبت هذا، فنقول: لو انتسخ الإجماع، لكان انتساخه: إما بالكتاب، أو بالسنة، أو بالإجماع، أو بالقياس، والكل باطل.
أما بالكتاب والسنة: فلأنه لا يخلو: إما أن يقال: إنهما كانا موجودين وقت انعقاد ذلك الإجماع أو ما كانا موجودين في ذلك الوقت:
فإن كانا موجودين، مع أن الأمة حكمت على خلافهما، كانت الأمة مجمعة على الخطأ، ذاهبة عن الحق، وإنه غير جائز.
وإن لم يكونا موجودين، استحال حدوثهما بعد ذلك؛ لاستحالة أن يحدث كتاب أو سنة بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأما بالإجماع: فلأن انعقاد هذا الإجماع الثاني: إما أن يكون لا عن دليل، أو عن دليل، فإن لم يكن عن دليل، كان ذلك إجماعًا على الخطأ، وإنه غير جائز، وإن كان عن دليل، عاد التقسيم الأول، من أن يقال: إن ذلك الدليل: إما أن يكون حال انعقاد الإجماع الأول، أو حدث بعده، وقد بينا فساد هذين القسمين.