الحقيقة، إذا قل استعمالها، صارت مجازا عرفيا، والمجاز، إذا كثر استعماله، صار حقيقة عرفية.
[المسألة الرابعة: في أن اللفظ، متى كان مجازا، فلابد وأن يكون حقيقة في غيره، ولا ينعكس]
أما الأول؛ فلأن المجاز هو المستعمل في غير موضعه الأصلي؛ وهذا تصريح بأنه وضع في الأصل لمعنى آخر، فاللفظ متى استعمل في ذلك الموضوع، كان حقيقة فيه.
وأما الثاني؛ فلأن المجاز هو المستعمل في غير موضعه الأصلي؛ لمناسبة بينهما، وليس يلزم من كون اللفظ موضوعا لمعنى- أن يصير موضوعا لشيء آخر، بينه وبين الأول مناسبة.
المسألة الخامسة: فيما به تنفصل الحقيقة عن المجاز: الفروق المذكورة منها صحيحة، ومنها فاسدة: أما الصحيحة فنقول: الفرق بين الحقيقة والمجاز: إما أن يقع بالتنصيص، أو الاستدلال:
أما التنصيص، فمن ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يقول الواضع: هذا حقيقة، وذلك مجاز.
-
وثانيها: أن يذكر أحدهما.
وثالثها: أن يذكر خواصهما.
وأما الاستدلال، فمن وجوهٍ أربعةٍ:
أحدها: أن يسبق المعنى إلى أفهام جماعة أهل اللغة عند سماع اللفظ من
دون قرينة؛ فيعلم أنها حقيقة فيه؛ فإن السامع لولا أنه اضطر من قصد
الواضعين إلى أنهم وضعوا اللفظ لذلك المعنى، لما سبق إلى فهمه ذلك المعنى دون غيره.