قال الرازي: قال الأكثرون: يجوز نسخ الكتاب، ودليله ما ذكرناه في الرد على أبي مسلم الأصفهاني.
بقي هاهنا أمران: أحدهما: أنه يجوز نسخ السنة بالقرآن، وهو أيضًا واقع، وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز.
احتج المثبتون بأمور:
أحدها: أن التوجه إلى بيت المقدس كان واجبًا في الابتداء بالسنة؛ لأنه ليس في القرآن ما يتوهم كونه دليلًا عليه، إلا قوله تعالى:{فأينما تولوا فثم وجه الله}[البقرة: ١١٥] وذلك لا يدل عليه؛ لانها تقتضي التخيير بين الجهات.
ولقائل أن يقول: لم لا يجوز أن يقال: التوجه إلى بيت المقدس، وقع في الأصل بالكتاب، إلا أنه نسخت تلاوته، كما نسخ حكمه؛ فإنه لا دليل يمنع من هذا التجويز؟
سلمنا أن التوجه إلى بيت المقدس وقع بالسنة، فلم لا يجوز أن يقال: وقع نسخه أيضًا بالسنة؟ وليس من حيث ثبت التوجه إلى الكعبة بالكتاب ما يوجب أن يكون التحويل عن بيت المقدس بالكتاب؛ لأن الظاهر أنه حول عن بيت المقدس، ثم أمر بالتوجه إلى الكعبة، ولهذا كان يقلب وجهه في السماء، لا لوجه سوى أنه قد حول عن الجهة التي كان يتوجه إليها، وينتظر ما يؤمر به من بعد، فأمر بالتوجه إلى الكعبة؛ فإن لم يكن ذلك هو الظاهر، فهو مجوز، وهذا كاف في المنع من الاستدلال.