الاستدلال بعدم ما يدل على الحكم؛ على عدم الحكم - طريقة عول عليها بعض الفقهاء.
وتحريره: أن الحكم الشرعي لابد له من دليل، والدليل إما نص، أو، إجماع أو قياس، ولم يوجد واحد من هذه الثلاثة؛ فوجب ألا يثبت الحكم.
إنما قلنا:(إن الحكم الشرعي لابد له من دليل) لأن الله - تعالى - لو أمرنا بشيءٍ، ولم يضع عليه دليلا، لكان ذلك تكليف ما لا يطاق؛ وإنه غير جائزٍ.
وإنما قلنا:(إن الدليل: إما نص، أو إجماع، أو قياس) لثلاثة أوجه:
أحدها: قصة معاذ؛ فإنها تدل على انحصار الأدلة في الكتاب، والسنة، والقياس، زدنا فيه الإجماع بدليلٍ منفصلٍ؛ فيبقي الباقي على الأصل.
وثانيها: أن الأدلة الدالة على الأحكام كانت معدومة في الأزل، وقد بينا أن الأصل في كل أصلٍ تحقق بقاؤه على ما كان، فهذا الدليل يقتضي ألا يوجد شيء من أدلة الأحكام، ترك العمل به في النص، والإجماع، والقياس؛ فوجب أن يبقي فيما عدا هذه الثلاثة على الأصل.
وثالثها: أنه لو حصل نوع آخر من الأدلة، لكان ذلك من الأمور العظام؛ لأن ما يجب الرجوع إليه في الشرع، نفيًا، وإثباتًا في الوقائع الحاضرة، والمستقبلة - لا شك أنه من الأمور العظام، فلو كان ذلك موجودًا، لوجب اشتهاره، ولو كان كذلك، لعرفناه بعد البحث والطلب؛ فلما لم نجد شيئًا آخر، سوى هذه الثلاثة - علمنا الانحصار، وإنما قلنا:(إنه لم يوجد واحًد من هذه الثلاثة) لما سنبينه.