ثم الفرق بين ما ذكروه من الصورتين وبين مسألتنا: أن الاستثناء، إذا اتصل بالكلام، صار جزءا من الكلام؛ فتصير الجملة شيئا واحدا مفيدا؛ لأنه لا يستقل بنفسه في الإفادة؛ فيجب تعليقه بما يقدم عليه، فإذا علقناه به، صار جزءا من الكلام؛ فتصير الجملة شيئا واحدا مفيدا، وفائدته إرادة ما عدا المستثنى؛ بخلاف قوله:" ضربت كل من في الدار، لم أضرب كل من في الدار " لأن هاهنا كل واحد من الكلامين مستقل بنفسه؛ فلا حاجة إلى تعليقه بما تقدم عليه، وإذا لم يتعلق به، أفاد الأول ضرب جميع من في الدار، وأفاد الآخر نفي ذلك؛ فكان نقضا.
وأما الثاني: فنطالبهم بالجامع.
ثم الفارق أن الاستثناء إخراج جزء من كل؛ فغذا قال:" ضربت زيدا، وضربت عمرا إلا زيدا " انصرف قوله: " إلا زيدا " إلى زيد، لا إلى عمرو؛ لأن زيدا ليس بجزء منهم؛ فكان نقضا؛ بخلاف قوله:" رأيت الكل إلا زيدا " لأن زيدا جزء من الكل؛ فظهر الفرق.
والجواب عن السادس: أن حكم المفرد يجوز أن يخالف حكم المركب؛ فيجوز أن يكون شرط إفادة لفظة (من) للعموم انفرادها عن لفظ (البعض) معها؛ بل لم يكن شرط إفادتها للعموم حاصلا؛ فلا جرم لم يلزم النقض.
والجواب عن السابق: أن أهل اللغة اتفقوا على أن ذلك ليس جمعا؛ وإنما هو إشباع الحركة؛ لسبب آخر مذكور في كتب النحو.
(الفصل الخامس في شبه منكري العموم)
قال القرافي: قوله: " لو كان العلم بأن الصيغة للعموم ضروريا، لزم اشتراك العقلاء فيه ".