قوله: والذي يكون معينا في نفسه، لكن الإنسان ما عينه، فهو قابل للتعيين، فإذا نوى التعيين، نوى ما يحتمله الملفوظ.
قلنا: لا نسلم أن المصدر، إذا نطق به هكذا، يلزم أن يكون معينا عند المتكلم، بل يشير به إلى ماهية الأكل التي هي القدر المشترك بين جميع ماهيات الأكل، ولا يريد معينا، لاسيما كل ما في الحلف الذي لا يكون إلا في المستقبلات، والأفعال التي لم تقع بعد، والتعيين إنما يكون في الحال أو الماضي؛ فإنه لابد، وأن يكون معينا، أما المستقبل فلا يلزم ذلك فيه، وكذلك تكاليف الشرع كلها، إنما تعلقت بالماهيات الكليات المعينات؛ لكونها مستقبلة عند الطلب والتخيير، ففرق بين قول القائل: أكلت أكلا، وبين قوله: لا أكلت أكلا، فإن الأول بالضرورة وقع في مأكول معين، وزمان معين، وهيئة معينة؛ بخلاف الثاني مسلوب جميع ذلك؛ فظهر حينئذ أن التعيين في المصدر في صورة النزاع غير لازم.
قوله:" نوى ما يحتمله الملفوظ ".
قلنا: وكذلك قبل النطق بالمصدر نوى ما يحتمله الملفوظ؛ لأن الفعل يحتمل أن يريد به الحالف مفعولا معينا في نفسه، وهذا معلوم بالضرورة من أحوال الحالفين.
(تنبيه)
الذي رأيته من كلام الحنفية، وسمعته من فضلائهم في البحث في هذه المسألة: أن النية لا يجوز تأثيرها إلا في ملفوظ به لا في لازم ملفوظ، ولا في عارضه.
قالوا: فإذا قال: " لأكرمن رجلا " ونوى اباه، صح؛ لأن ماهية الرجل ملفوظ بها؛ فقبلت تأثير النية بالتقييد والتخصيص، وأما المأكولات من لفظ الأكل، إنما هي مدلولة بالالتزام، فلا تؤثر النية فيها شيئا، ويكون وجود