قال الرازي: إذا قال القائل: العالم حادث فمدلول هذا الكلام حكمه بثبوت الحدوث للعالم، لا نفس ثبوت الحدوث للعالم؛ إذ لو كان مدلوله نفس ثبوت الحدوث للعالم، لكان حيثما وجد قولنا:"العالم محدث" كان العالم محدثا؛ لا محالة؛ فوجب ألا يكون الكذب خبرا.
ولما بطل ذلك: علمنا أن مدلول الصيغة هو الحكم بالنسبة، لا نفس النسبة.
بقى هاهنا البحث عن ماهية الحكم؛ فإنه لا يجوز أن يكون المراد منه الاعتقاد؛ لأن الإنسان قد يخبر عما لا يعتقد فيه ألبتة؛ لأن من لا يعتقد أن زيدا في الدار، يمكنه، والحالة هذه، أن يقول:"زيد في الدار"، ولا يجوز أن يكون المراد منه الإرادة؛ لأن الإخبار قد يكون عن الواجب والممتنع، مع أن الإرادة يمتنع تعلقها به، فلم يبق إلا أن يكون الحكم الذهني أمرا مغايرا لجنس الاعتقادات والقصود، وذلك هو كلام النفس الذي لا يقول به أحد إلا أصحابنا.
المسألة الرابعة
إذا قال القائل: العالم حادث.
قال القرافي: قوله: "لو كان مدلول قولنا: العالم حادث نفس ثبوت الحدوث للعالم لكان، حيث وجد هذا القول، وجد حدوث العالم، فوجب ألا يكون الكذب خبرا":
قلنا: هذا البحث ينبني على أن الألفاظ هل وضعت للصور الذهنية، أو للحقائق الخارجية، فيكون قولنا: العالم حادث مدلوله الحكم؛ لأنه الذهني، وأما قولهم:"يلزم حدوث العالم":