الأول: إذا كان أحد الخبرين مقررا لحكم الأصل، والثاني يكون ناقلا، فالحق: أن يجب ترجيح المقرر.
وقال الجمهور من الأصوليين: إنه يجب ترجيح الناقل.
لنا: أن حمل الحديث على ما لا يستفاد إلا من الشرع- أولى من حمله على ما يستقل العقل بمعرفته، فلو جعلنا المبقي مقدما على الناقل، لكان واردا حيث لا يحتاج إليه؛ لأنا في ذلك الوقت نعرف ذلك الحكم بالعقل، فلو قلنا: إن المبقي ورد بعد الناقل، لكان واردا حيث يحتاج إليه؛ فكان الحكم بتأخره عن الناقل أولى من الحكم بتقدمه عليه.
واحتج الجمهور على قولهم بوجهين:
الأول: أن اعتبار الناقل أولى؛ لأنه يستفاد منه مالا يعلم إلا منه، وأم المبقي، فغن حكمه معلوم بالعقل، فكان الناقل أولى.
الثاني: أن في القول بكون الناقل متأخرا تقليل النسخ؛ لأنه يقتضي إزالة حكم العقل فقط، وفي القول بكون المقرر متأخرا تكثير النسخ؛ لأن الناقل أزال حكم العقل، ثم المقرر أزال حكم الناقل مرة أخرى.
والجواب عن الأول: ما ذكرناه في الدليل؛ وهو: أنا لو جعلنا المبقي متأخرا، لكنا قد استفدنا منه ما لا يستقل العقل به، ولو جعلنها متقدما، لكنا قد استفدنا منه ما يتمكن العقل من معرفته.