قال الرازي: اتفق الأكثرون على أن الخبر لابد وأن يكون: إما صدقا، وإما كذبا؛ خلافا للجاحظ.
والحق أن المسألة لفظية؛ لأنا نعلم بالبديهة أن كل خبر أن يكون مطابقا للمخبر عنه، أو لا يكون:
فإن أريد بالصدق: الخبر المطابق، كيف كان، وبالكذب: الخبر الغير المطابق، كيف كان، وجب القطع بأنه لا واسطة بين الصدق والكذب، وإن أريد بالصدق: ما يكون مطابقا، مع أن المخبر يكون عالما بأنه غير مطابق- كان هناك قسم ثالث بالضرورة: وهو الخبر الذي لا يعلم قائله أنه مطابق، أم لا.
فثبت أن المسألة لفظية، فنقول: للجاحظ أن يحتج على قوله بالنص، والمعقول:
أما النص: فقوله تعالى؛ حكاية عن الكفار:{أفترى على الله كذبا أم به جنة}[سبا: ٨] جعلوا إخباره عن نبوة نفسه: إما كذبا، وإما جنونا، مع أنهم كانوا يعتقدون أنه ليس برسول الله على التقديرين؛ وهذا يقتضى أن يكون إخباره عن نبوة نفسه، حال جنونه مع انه ليس بنبي عندهم- لا يكون كذبا؛ لأن المجعول في مقابلة الكذب، لا يكون كذبا.
وأما المعقول: فمن وجهين:
الأول: أن من غلب على ظنه أن زيدا في الدار، فأخبر عن كونه في الدار، ثم ظهر أنه ما كان كذلك، لم يقل أحد: إنه كذب في هذا الخبر.