وقد يقع ذلك فرد دفعة، فلا يحصل ظن لتحقق تلك الحقائق من مجرد إدراك الحواس، وقد يتكرر حتى يصير إلى حد الظن، فيقول العقل: كل ما كان كذا فهو مسك ظنا لا قطعا، وفد يعقظم التكرر حتى يقول العقل مقدمة من قبل نفسه، كل ما كان كذا على هذه الرائحة فهو مسك ضرورة، وكذلك بقية النظائر، وقد يحدس ببصره كنقد الذهب والفضة ونضج الفاكهة ونحو ذلك، ثم ذلك قد لا يتكرر فلا يقول العقل المقدمة من جهته ألبتة، وقد يتكرر حتى يقول العقل: كل ما كان من الذهب كذا فهو بهرج، ظنا من غير القطع، وقد يحصل القطع فيهما، مع أن الفرق بينهما: أن الحدسيات تفتقر إلى نظر حالة القضاء على الجزئيات، والتجريبيات بينهما: أن الحدسيات تفتقر إلى نظر حالة القضاء على الجزئيات، والتجريبيات لا تحتاج إلى ذلك، فإذا قيل لك: في الدار ليمون هل هو حامض؟ تقول: نعم، أوصبر هل مر؟ تقول: نعم من غير أن تراه، ولو قيل لك: معى درهم هل هو بَهْرج؟ فتقول: حتى أنظر إليه وأفكر فيه، هل وجد فيه ما هو عند العقل علامة البهرج أم لا؟ وكذلك إذا قيل لك: في الدار فاكهة هل هي ناضحة؟ فتقول: حتى أنظر إليها وأفكر فيها، والتجارب لاتحتاج لفكر عند القضاء على الجزئيات، فلا يفكر في حمض الليمون ألبتة، فهذا هو الفرق، وهو افتقار الحدسيات إلى نظر حالة القضاء على الجزئيات بخلاف التجريبيات.
الرابع عشر: إنَّ العلماء عدوا من جملة التجريبيات أدوية الأمراض وأسبابها، نحو كون المحمودة مسهلة، والسموم قاتلة، فإن كان المراد بذلك أن مطلق الحس كاف مع العقل فلزم أن يكون دلالة العالم على صانعه من باب