المسألة الأولي: كل مسألةٍ فالحكم فيها: إما أن يكون بالإيجاب الكلي، أو بالسلب الكلي، أو بالإيجاب في البعض، والسلب في البعض، فهذه احتمالات ثلاثة لا مزيد عليها.
فإذا اختلف أهل العصر الأول على قولين من هذه الثلاثة فهل لمن بعدهم أن يذكروا الثالث؟.
الأكثرون منعوه.
وأهل الظاهر جوزوه.
والحق أن إحداث القول الثالث؛ إما أن يلزم منه الخروج عما أجمعوا عليه، أو لا يلزم:
فإن كان الأول: لم يجز إحداث القول الثالث؛ مثاله: الأمة اختلفت في الجد مع الأخذ على قولين: منهم من جعل المال كله للجد، ومنهم من قال: إنه يقاسم الأخ.
فالقول الثالث، وهو صرف المال كله إلى الأخ: غير جائزٍ؛ لأن أهل العصر الأول القائلين بالقولين الأولين اتفقوا على أن للجد قسطًا من المال، فالقول بصرف المال كله إلى الأخ يبطل ذلك.
وأما الثاني: فإن إحداث القول الثالث فيه جائز؛ لأن المحذور مخالفة الإجماع، أو القول بما يلزم منه مخالفته.