قال إمام الحرمين في اختصاره "الاقتصاد" للقاضي أبي بكر: ""الواو" في هذا الحد غلط؛ لأنها تشعر بقبول الضدين، والمحل لا يقبل إلا أحدهما"، وليس كما قال؛ لأن القاعدة العقلية المقطوع بها أن الوجوب والاستحالة والإمكان لوازم لمحالها؛ فإنه يستحيل انقلاب الواجب ممكنا أو مستحيلا، والمستحيل واجبا أو ممكنا.
إذا تقرر أن الإمكان لازم لمحله، وهو يعبر عنه بالقبول وبالصحة، امتنع أن يقال: المحل إنما يقبل أحد الضدين؛ لأنه حينئذ يكون قبوله للآخر مشروطا بزوال هذا الحاضر، وزوال هذا الحاضر ممكن، والمشروط بالممكن ممكن، فيلزم أن يكون القبول لذلك الضد ممكنا، فيكون الإمكان ممكنا، وقد تقدم أنه واجب الثبوت لمحله، لازم له، فيتعين أن المحل يقبل الضدين معا، كما يقبل النقيضين معا، وإنما المشروط بعدم هذا وقوع الآخر المقبول لا قبوله، وبالجملة هاهنا دقيقة، وهي الفرق بين اجتماع القولين، وبين اجتماع المقبولين، المحال وهو الثاني دون الأول، بل الأول واجب، والثاني مستحيل، فتأمل ذلك.
"سؤال"
قوله:"حقيقة الخبر ضرورية؛ لأن الخبر الخاص ضروري":
يرد عليه أني أعلم نفسي بالضرورة، ونفسي نفس خاصة، فيكون مطلق النفس معلوما بالضرورة، مع أنها من أمر الله- تعالى- الذي استأثر بعلمها لقوله تعالى:{ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}[الإسراء: ٨٥]، والروح هي النفس، أو هي غيرها؟ هذا أيضا من المجهولات، وهو مما يؤكد السؤال، وأخبرني بعض الفضلاء أنه رأى كتابا فيه قول للعقلاء في حقيقة النفس، وكثرة الاختلاف تدل على كثرة الجهالة.