قال الرازي: قال قوم: يجب على المكلف الأخذ بأخف القولين؛ للنص والمعقول:
أما النص: فقوله تعالى:} يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر {وقوله تعالى:} وما جعل عليكم في الدين من حرجٍ {وقوله - عليه الصلاة والسلام-: (لا ضرر في الإسلام) وقوله: (بعثت بالحنيفية السهلة السمحة) وكل ذلك ينافي شرع الشاق الثقيل.
وأما القياس: فهو: أنه تعالى كريم غني، والعبد محتاج فقير، وإذا وقع التعارض بين هذين الجانبين، كان التحامل على جانب الكريم الغني أولى منه على جانب المحتاج الفقير، وربما قالوا:(الأخذ بالأخف أخذ بالأقل؛ فوجب العمل به).
واعلم أن هذا المذهب يرجع حاصله إلى أن الأصل في الملاذ: الإباحة، وفي الآلام: الحرمة، وقد تقدم الكلام فيه.
فأما قوله:(الأخذ بالأخف أخذ بالأقل):
قلنا: هذا ضعيف؛ لأنا إنما نوجب الأخذ بأقل ما قيل، إذا كان ذلك جزءًا من الأصل؛ كما ذكرناه في المثال؛ فإن الثلث جزء من النصف ومن الكل، والموجب للكل والنصف موجب للثلث؛ فيصير وجوب الثلث بهذا الطريق مجمعًا عليه.
أما إذا كان الأخف ليس جزءًا من ماهية الأصل، لم يصر الثلث مجمعًا عليه، فلا يجب الأخذ به.