مفسدة وإن قلت، وكذا العكس، فأكل الشيء الشهي اللذيذ مع صدق الحاجة، وتيقن النفع لا يخلو عن مشقة المضغ، والتزام كلف الشراء، والجرح ولسع العقرب والحمى لا يخلو عن تبريد وتسخين، يوافق المزاج من بعض الوجوه، فإذا تبين أن الاعتبار بالأغلب، فما غلب منهما كان الحكم له والاعتبار به في نظر العقلاء، وعند التساوي يكون معدودًا من العبث، كما لو خلا منهما، ومثاله: إلقاء البذر في الأرض؛ فإنه تعفين وتحصيل، فحيث استحقر البذر بالإضافة إلى الزرع المتوقع عد تحصيلًا، واضمحل التعفين، وحيث استحقر الزرع عد تفويتًا، واضمحل التحصيل، وحيث تساويا كان عبثًا، فإن لم تستقبح مباشرته فلا أقل من ألا يستحسن، وإذا بطل النماء بطلت المناسبة، وفيه تنبيه على مغلطة، وهي: أن الفقهاء أبدًا يطلبون المناسبة بين ذلك القدر من المصلحة، وبين شرع طريق التحصيل، ولا شك أن ذلك أبدًا يلائم نظر العقلاء، والواجب طلب المناسبة بين الوصف والتضمن لها والحكم المشروع؛ لأن المناسب هو الوصف المتضمن للمصلحة لا نفس ما يتضمنه، فيجب طلب المناسبة بين إلقاء البذر، وبين وجوبه واعتباره، لا بين ما يحصل منه الزرع وبين الحكم، وعند هذا لا يخفى ألا يلزم من كون الزرع المتوقع مصلحة، فتفطن لها.
الخامس: أن المناسب لو لم ينخرم بالمعارض للزم أن يكون معظم أحكام الشريعة- لا بل كلها- على خلاف الدليل؛ إذ ما من حكم شرعي إلا ويتضمن الإعراض عن مصلحة أو مفسدة تقتضي نقيض ذلك الحكم، وهو على خلاف الإجماع؛ فإن الخلاف في جواز المخالفة ووقوعها، لا في لزومها ووجوبها.
قال: وقد تركت الجواب عن هذه الأوجه؛ ليستعمل المتفطن فكرة فيها.
(فائدة)
قال سيف الدين: في انخرام المصلحة بالمفسدة كانت مساوية أو راجحة قولان.