تقريره: أن مراتب الظنون الحاصلة من القياس متفاوتة، فالمنصوص العلة أقوى مما استنبطت علته من أوصاف مذكورة، وما استنبطت علته من أوصاف مذكورة أقوى مما استنبطت علته من أوصاف مذكورة أقوى مما استنبطت من أوصاف غير مذكورة، وما نص على علته بالصريح أولى مما نص على علته بالإيماء، وما كانت علته يشهد نوعها كنوع الحكم أقوى مما يشهد حسنها؛ لحسن الحكم، وما بنيت عيه بالمناسبة أقوى مما بنيت عليه بالدوران، ونحو ذلك مما هو مذكور في باب التعارض والترجيح، والعموم الذي قلت أفراده أقوى في إفادة الظن مما كثرت أفراده؛ لأن تطرق احتمال التخصيص إليه- أقل؛ فإن كثرة الأنواع توجب كثرة التخصيص، والعموم الذي لا يكاد يوجد إلا مخصوصًا أضعف مما يوجد قط مخصوصًا، والعموم الذي يستعمل لفظه مجازًا في كثير من الصور- أضعف مما لم يتجوز بلفظه، وهذا عين التخصيص؛ فإن اللفظ قبل دخول آلة العموم عليه قد يستعمل مجازًا، وقد يستعمل حقيقة، وحينئذ لا تخصيص، إنما التخصيص بعد القضاء بالعموم؛ إذا تقرر تفاوت مراتب الظنون في القياس والعموم، وقد تستوي المرتبتان، وقد ترجح إحداهما، فيتصور ما قاله الغزالي في إتباع الراجح منهما (إن وجد، وإلا توقفنا) فإن المقصود إنما هو القضاء بالراجح.
[(سؤال)]
يلزم الغزالي- على هذا التدقيق الحسن- أن يقول بذلك في خبر الواحد مع العموم؛ فإن هذه الترجيحات متجهة هنالك، كما هي متجهة هاهنا؛ من جهة غلبة المجاز على أحدهما، وقلته في الآخر، وكثرة الأفراد، وقلتها، وكثرة اعتوار المجاز عليه في موارد الاستعمال، وقلتها، ونحو ذلك، وهذا السؤال قد يتخيل أنه لازم للواقفية أيضًا، فيقال: لم توقفوا هاهنا، ولم يتوقفوا في خبر الواحد، مع العموم؛ لاختلاف الأحوال بينهما؛ كما تقدم؟ غير أنه غير وارد عليهم؛ لأنهم لم يسلكوا مسلك الغزالي في اعتبار