قال الرازي: استدل أبو الحسن البصري على أن خبر أهل التواتر صدق؛ وقال: لو كان كذبا، لكان المخبرون: إما أن يكونوا ذكروه مع علمهم بكونه كذبا، أو لا، مع علمهم بكونه كذبا، والقسمان باطلان، فبطل كونه كذبا، فتعين كونه صدقا، فكان مفيدا للعلم.
إنما قلنا: إنه لا يجوز أن يذكره المخبرون، مع علمهم بكونه كذبا؛ لأنهم على هذا التقدير إما أن يكونوا قصدوا فعل الكذب؛ لغرض ومرجح، أو لا لغرض ومرجح:
والثاني محال؛ أما أولا: فلأن الفعل لا يحصل في وقت دون وقت، إلا لمرجح؛ وإلا لزم ترجح أحد الطرفين على الآخر من غير مرجح، وهو محال.
وأما ثانيا: فلأن كونه كذبا جهة قبح؛ وجهة القبح صارفة عن الفعل، ومع حصول الصارف القوي عن الفعل يستحيل حصول الفعل، إلا لداع أقوى من ذلك الصارف.
وأما القسم الأول: وهو أنهم قصدوا فعل الكذب لغرض، فذلك الغرض إما نفس كونه كذبا، أو شيء آخر:
والأول: باطل؛ لأن كونه كذبا جهة صرف، لا جهة دعاء.
والثاني: باطل؛ لأن ذلك الغرض: إما أن يكون دينيا، أو دنيويا.