وعلى التقديرات: فإما أن يقال: كلهم كذبوا لداع واحد من هذه الأقسام، أو يقال: فعله بعضهم؛ لبعض هذه الدواعي، وبعضهم للبعض الآخر.
وعلى كل التقديرات: فإما أن تحصل تلك الدواعي بالتراسل، أو لا بالتراسل، والأقسام كلها باطلة.
أما أنه لا يجوز أن يكون للدين: فلأن قبح الكذب متفق عليه، سواء كان ذلك بالعقل، أو بالشرع، فكان ذلك صارفا دينيا، لا داعيا دينيا.
وأما الرغبة الدنيوية: فقد تكون رجاء عوض على الكذب، أو لأجل أن يسمع غيره شيئا غريبا، وإن كان لا أصل له.
والأول باطل: لأن كثيرا من الناس لا يرضى بالعوض الكثير في مقابلة الكذب، وإن احتاج إليه، وكذا القول في القسم الثاني.
وأما الرهبة: فهي لا تكون إلا من السلطان، لكن السلطان لا يقدر على أن يجمع الجمع العظيم على الكذب؛ ألا ترى أن السلطان لا يمكنه ذلك في جميع أهل بغداد؛ لأنه لا يعلم كل واحد منهم؛ حتى يجعله مضطرا إلى ذلك الكذب، ولأن السلطان كثيرا ما يخوف الناس عن التحدث بكلام، مع أنهم، آخر الأمر، يقولونه؛ حتى يصير مشهورا بينهم.
ولأنا نعلم في كثير من الأمور: أنه لا غرض للسلطان في أن يخبر عنه بالكذب، ولا يجوز أيضا أن يقال:(الجماعة العظيمة كذبوا؛ بعضهم للرغبة، وبعضهم للرهبة، وبعضهم للتدين) لأن كلامنا في جماعة عظيمة، أبعاضها جماعات عظيمة يمتنع تساوي أجزائها في قوة هذه الدواعي.