قال الرازي: ذهب أكثر الفقهاء غلى أن النهي لا يفيد الفساد، وقال بعض أصحابنا: إنه يفيده، وقال أبو الحسين البصري: إنه يفيد الفساد في العبادات، لا في المعاملات، وهو المختار.
والمراد من كون العبادة فاسدة: انه لا يحصل الإجزاء بها، أما العبادات: فالدليل على أن النهي فيها يدل على الفساد: أن نقول: إنه بعد الإتيان بالفعل المنهي عنه، لم يأت بما أمر به؛ فبقى في العهدة.
إنما قلنا: إنه لم يأت بما أمر به؛ لأن المأمور به غير المنهي عنه؛ كما تقدم بيانه، فلم يكن الإتيان بالمنهي عنه إتيانا بالمأمور به.
وإنما قلنا: إنه وجب أن يبقى في العهدة؛ لأنه تارك للمأمور به، وتارك المأمور به عاص، والعاصي يستحق العقاب؛ على ما مر تقريره في مسألة أن الأمر للوجوب.
فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون الإتيان بالفعل المنهي عنه سببا للخروج عن عهدة الأمر؛ فإنه لا تناقض في أن يقول الشارع: " نهيتك عن الصلاة في الثوب المغصوب؛ ولكن، إن فعلته، أسقطت عنك الفرض بسببه؟
سلما أن ما ذكرته يدل على أن النهي يقتضي الفساد؛ لكنه معارض بدليلين:
الأول: أن النهي لو دل على الفساد، لدل عليه: إما بلفظه، أو بمعناه، ولم يدل عليه في الوجهين، فوجب ألا يدل على الفساد أصلا.