قال الرازي: يجوز التعليل بالعدم؛ خلافا لبعض الفقهاء.
لنا: أنه قد يحصل دوران الحكم مع بعض العدمات، والدوران يفيد ظن العلية، والعمل بالظن واجب.
احتجوا على أن العدم لا يصلح للعلية بوجوه:
أحدها: أن العلية مناقضة للاعلية المحمولة على العدم، فاللاعلية عدمية، والعلية ثبوتية، فلو حملناها على العدم المحض، كان النفي المحض موصوفا بالصفة الوجودية، ولو جوزنا ذلك، لما أمكننا أن نستدل بكون الجدار وكثافته، وحصوله في الجيز على كون الموصوف بهذه الصفات موجودا، وهو سفسطة.
وثانيها: أن العلة لابد وأن تتميز عما ليس بعلة، سواء أريد بها المؤثر، أو المعرف، أو الداعي، والتمييز عبارة عن كون كل واحد من المتميزين مخصوصا في نفسه؛ بحيث لا يكون تعين هذا حاصلا لذلك، ولا تعين ذلك حاصلا لهذا، وهذا غير معقول في العدم الصرف؛ لأنه نفى محض، ولأنه لو جاز وقوع التمييز فيه، لجاز أن يقال:"المؤثر في العالم عدم صرف" لست أقول: "ذات معدومة" على ما ذهب إليه القائلون بأن المعدوم شيء؛ لأن ذلك عندهم ثابت، بل الإلزام أن نجعل النبي المحض الذي لا يكون ذاتا، ولا عينا، ولا أمرا من الأمور- مؤثرا في العالم، وذلك مما يسد باب إثبات الصانع، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.