للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثالثها: أن العدم: إما أن يكون عاريا عن النسبة من كل الوجوه أو لا يكون:

فإن كان الأول: لم يكن له اختصاص بذات، دون ذات، وبوقت، دون وقت؛ فلا يجوز جعله علة لحكم معين، في وقت معين، وفي شخص معين، وإن كان له انتساب بوجه ما، كان ذلك الانتساب أمرا ثبوتيا ضرورة كونه نقيضا للانتساب؛ فيلزم وصف العدم بالوجود؛ وهو محال.

ورابعها: أن المجتهد، إذا بحث عن على الحكم، لم يجب عليه سبر الأوصاف العدمية، فإنها غير متناهية، مع أنه يجب عليه سبر كل وصف يمكن كونه علة، وذلك يدل على أن الوصف ألعدمي لا يصلح للعلية.

وخامسا: قوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: ٣٩] والعدم نفي محض؛ فلا يكون من سعيه؛ فوجب ألا يترتب عليه حكم؛ فإن كل حكم يثبت، فإنه يحصل للإنسان بسببه: إما جلب منفعة، أو دفع مضرة؛ فثبت أن الوصف ألعدمي لا يمكن أن يكون علة.

فإن قلت: "الامتناع عن الفعل عدم، مع أنه قد يكون مأمورا به، ويكون منشأ للمصالح، ودفع المفاسد":

قلت: الامتناع عن الفعل عبارة عن أمر يفعله الإنسان، فيترتب عليه عدم ذلك الشيء؛ فثبت أن الامتناع ليس عدما محضا.

والجواب عن الأول: ما ذكرتموه من الدالة على أن العلية صفة ثبوتية- معارض دليل آخر، وهو: أنها لو كانت ثبوتية، لكانت من عوارض ذات العلة؛ فكانت مفتقرة إلى تلك الذات؛ وكانت ممكنة؛ وكانت مفتقرة إلى العلة؛ فكانت علية العلة لتلك العلة زائدة عليها؛ ولزم التسلسل.

<<  <  ج: ص:  >  >>