يكون الله تعالى آمرا ولا ناهيا؛ فإن أمر المعدوم إنما يأتي على تقدير أن يوجد، وإذا كان الواقع في قدرة الله تعالى ومعلومه عدم إيجاد العالم استحال حينئذ أن يامر وينهى، وإنما يقع الأمر والنهي في الكلام إذا قدّر الله تعالى إيجاد العالم، ولما كان هذا التقدير من الجائزات كان تصور الأمر، والنهي في الكلام ليس من الواجبات، بل تابع لخلق الله تعالى العالم، وأما الخبر فواجب الوقوع قطعا؛ لأن الله تعالى واجب له العلم قطعا، وكل عالم مخبر عن معلوماته قطعا، فالله تعالى مخبر قطعا، وهذا أمر واجب، وليس له شرط جائز، فكان واجب الوقوع من جميع جهاته، أما الأمر والنهي، فإنما يصير واجبا من جهة واحدة، وهي أن الله تعالى سبقت مشيئته بإيجاد العالم، فتعلق الطلب والتخيير، فيعلم الله تعالى أنه علق أمره ببعض من يوجده من العالم، فصار تعلق الأمر واجبا لغيره من تعلق العلم وغيره، فتأمل هذا الموضوع فهو صعب دقيق لا يسعه أكثر العقول ولا تقبله، غير أني رأيت أن أنبه عليه رجاء أن يصادف أهله.
وأما كلام هو قدر مشترك إلا في نوع من الأنواع فغير معقول، بل مستحيل بالضرورة، فإن أراد أن ثم نوعا آخر يثبت فيه الكلام فعليه بيانه، ونحن وراء منعه حتى يثبته، وإلا فالحق ما ذكرناه.
(تنبيه)
ما الفرق بين هذه المسألة وبين قولنا: لا حكم للأشياء قبل ورود الشرع؟
فإن الأزل قبل ورود الرسل بالضرورة، وقد نفينا الأحكام قبل الرسل، وهاهنا أثبتناها في الأزل؟