وأما قوله:(لو صح قول مالك - اتبع الناس أيام كسرى أنوشروان) فالجواب عنه كالجواب عن العامل العالم بالسياسات الذي تقدم أن سياسات الفرس، وإن كانوا أهل عدل، وفطنه، ويقظة، وأخلاق كريمة، غير أنهم لم يتكيفوا بقواعد صاحب الشرع الذي هو العالم بالأسرار، والخفيات، وما لا يهتدي إليه العقل، فلم يكونوا يتصرفون إلا بالعقل الصرف، سواء أصابوا قوانين الشريعة، أو أخطئوها.
ومالك إنما يعتبر النظر من المتكيف بقواعد الشرع حتى يكون ظنه، ونظره ينفر عن مخالفتها، ويميل لموافقتها.
فهذا فرق عظيم، وجواب ساد لا مدفع له، بل هو دافع للتشنيع بالكلية.
(سؤال)
قال بعض علماء العصر: إذا قلتم بالمصلحة المرسلة، فكيف تصنعون في العمومات، والأدلة؟ فإنها متعارضة نفيًا، وإثباتًا؛ فإنه ما من مصلحة في إقدام، أو إحجام إلا ويجد عامًا يردها مثل: قوله تعالى:} وما جعل عليكم في الدين من حرج {،} خلق لكم ما في الأرض {،} يريد الله بكم اليسر {.
ونظائره كثيرة، فأي عموم تنفون مخالفته؟ وما ضابط ذلك؟ وإذا لاحظتم الظواهر المانعة من الإقدام، والإحجام لم تبق مصلحة مرسلة إلا ولها معارض من النصوص، وأنتم تشترطون في المصلحة السلامة عن معارضة الأدلة؟.
جوابه: أنا نعتبر من النصوص الأصول، ما هو خاص بذلك الباب في نوعه دون ما أهو أعم منه، فإذا كانت المصلحة في الإجارات، اعتبرنا نصوص الإجارات، أو في الجنايات اعتبرنا نصوص الجنايات.