للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أن محذور إثبات حكم الحكمة الملغاة، أو نفي الحكم مع وجود حكمته يقينا، أعظم من محذور البحث عن الحكمة في آحاد الصور.

(فائدة)

سمعت الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول: اتفقوا على أنه إذا قطع بانتفاء الحكمة لا يثبت الحكم.

وأشكل بهذا قول علي: (إذا سكر هذي وإذا هذي افترى)، فيقيم الحد على من يقطع بأنه لم يقذف، فهو إثبات الحكم حيث قطعنا بانتفاء الحكمة، وكان يستشكل هذا الأثر لهذه القاعدة.

وكلام سيف الدين- هاهنا- يشعر بالاتفاق على نفي الحكم عند القطع بعدم الحكمة.

ورأيت الغزالي في (شفاء الغليل) قال- بعد ذكره لهذا المثال-: إن قلت: ليس كل من سكر يقذف، فإيجاب حد جريمة على من لم يجرم غريب، لا يشهد له نظير.

قال: قلنا: ليس كذلك؛ لأنهم امتنعوا أولا أن يعاقبوه عقوبة لم تعهد، ولو كان الأمر كما قلتم لما افتقروا إلى الشبه بحد مشروع، ثم لم يوجبوا حد جريمة على من لم يجرمها، وطلبوا مناسبة بين جريمتين، وقد عهدوا في الشرع إقامة المظان مقام المظنون المقصود في إفادة الحكم، كما أقيم النوم مقام خروج الحدث، وإن لم يخرج الحدث، ومغيب الحشفة مقام الإنزال وإن لم يوجد، والبلوغ مقام العقل، وإن لم يتزيد عنده عقلي، ونظير الأثر الوارد في الشرب قولنا: من غيب الحشفة أنزل، ومن أنزل اغتسل.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>