وإذا بينا أنه لم يوجد هذا الإعلام لا عقلا ولا شرعا لم يكن مباحا والله أعلم.
قال القرافي: الفصل التاسع في حكم الأشياء قبل ورود الشرع إلى آخره، فحكى الخلاف فيما لا يكون العبد مضطرا إليه، كأكل الفاكهة، وحكاية الحظر عن بعض المعتزلة في الأفعال مطلقا يلزم منه تحريم إنقاذ الغرقى، وإطعام الجوعان، وكسوة العريان، ونصر المظلوم، وجميع المصالح تكون حينئذ محرمة عندهم، وهذا مما تأباه قواعد الاعتزال إباء شديدا، فأين هذا من وجوب رعاية المصالح عقلا؟
وإيجاب الإثابة عليها عقلا في حق الله تعالى، بحيث إنهم يحيلون على الله تعالى عدم الإثابة، وكذلك حكايته عن بعضهم الإباحة مطلقا يقتضي إباحة القتل، وإفساد العقول، والأعراض، وأخذ الأموال، وجميع أنواع الظلم والفساد، وهذا تأباه قاعدة الإعتزال، لأن المعتزلة جزم العقل عندهم بأن الله تعالى أناط التحريم بالمفاسد، ورد السمع أم لا، ويجوبن ذلك في حق الله تعالى، فبين إباحة المفاسد ومذهبهم بعد شديد.
وأما سيف الدين وإمام الحرمين في "البرهان"، والأبياري والمازري وغيرهم، فجزموا بان هذه المذاهب إنما هي في القسم الثالث من الأقاسم عند المعتزلة، وهو ما لم يقض العقل فيه بتحسين ولا بتقبيح، كمقادير العبادات، وتخصيصها ببعض الأزمة ونحو ذلك.
وأما صاحب "المستصفى" فقال ولم يجزم: يحتمل أن يكون ذلك فيما لم يجزم العقل فيه بتحسين ولا تقبيح.
والصواب قول إمام الحرمين ومن وافقه لما تقدم، وحكى القاضي عبد