قال الرازي: فنقول: هذا الطريق لاشك أنه يكون دالا، ثم ذلك الطريق: إما أن يكون في القياسين المتعارضين قطعيًا، أو ظنيًا، أو يكون في أحدها قطعيًا، وفي الآخر ظنيًا، فإن كان قطعيًا فيهما معًا، استحال الترجيح في ذلك؛ لما عرفت، وإن كانا ظنيين فالدليل الدال عليهما، إما أن يكون لفظًا، أو إجماعًا، أو قياسًا: فلنتكلم في تفاصيل هذه الأجناس، ثم في تفاصيل أنواع كل واحدٍ من هذه الأجناس:
أما البحث الأول فيشتمل على مسألتين:
إحداهما قالوا: القياس الذي ثبت الحكم في أصله بالإجماع، أقوى من الذي ثبت الحكم في أصله بالدلائل اللفظية؛ لأن الدلائل اللفظية تقبل التخصيص والتأويل، والإجماع لا يقبلهما، وهذا مشكل؛ لأنا حيث أثبتنا الإجماع؛ إنما أثبتناه بالدلائل اللفظية؛ والفرع، كيف يكون أقوى حالاً من الأصل؟!.
المسألة الثانية: قد تقدم في (كتاب القياس) أن الحكم في الأصل لا يجوز أن يكون مثبتًا بالقياس، وإن كان قد جوزه قوم، والمجوزون اتفقوا على أن القياس الذي ثبت الحكم في أصله بالنص - راجح على الذي ثبت الحكم في أصله بالقياس؛ لأن ذلك القياس لا يتفرع على قياس آخر إلى غير نهاية، بل لابد من الانتهاء إلى أصل ثبت حكمه بالنص، وإذا كان كذلك، فالنص أصل القياس، والأصل راجح على الفرع.