ثم نعارض ما ذكرتموه، ونقول: بل النسخ هو النقل والتحويل، ومنه نسخ الكتاب إلى كتاب آخر، كأنك تنقله إليه، أو تنقل حكايته، ومنه تناسخ، وتناسخ القرون قرنًا بعد قرن.
وتناسخ المواريث، إنما هو: التحويل من واحد إلى آخر، بدلًا عن الأول؛ فوجب أن يكون اللفظ حقيقة في النقل، ويلزم ألا يكون حقيقة في الإزالة؛ دفعًا للإشتراك، وعليكم الترجيح.
والجواب عن الأول، من وجهين:
أحدهما: أنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى هو الناسخ لذلك من حيث فعل الشمس والريح المؤثرين في تلك الإزالة، ويكونان أيضًا ناسخين؛ لكونهما مختصين بذلك التأثير.
وثانيهما: أن أهل اللغة، إنما أخطئوا في إضافة النسخ إلى الشمس والريح، فهب أنه كذلك، لكن متمسكنا إطلاقهم لفظ النسخ على الإزالة، لا إسنادهم هذا الفعل إلى الريح والشمس.
وعن الثاني: أن النقل أخص من الزوال؛ لأنه حيث وجد النقل، فقد عدمت صفة، وحصلت صفة أخرى، فإذن: مطلق العدم أعم من عدم يحصل عقيبه شيء آخر؛ وإذا دار اللفظ بين العام والخاص، كان جعله حقيقة في العام أولى من جعله حقيقة في خاص، على ما تقدم تقريره في كتاب اللغات، والله أعلم.
الكلام في الناسخ والمنسوخ
قال القرافي: قال صاحب (المجمل) في اللغة: إذا أزال الشيء الشيء فقد نسخه، ونسخت الشمس الظل، والمشيب الشباب، وتناسخ المواريث، إذا مات وارث بعد وارث قبل القسم، وتناسخ القرون.