مذهب الشافعي - رضي الله عنه -: أنه يجوز الاعتماد في إثبات الأحكام على الأخذ بأقل ما قيل؛ فإنه حكى اختلاف الناس في دية اليهودي: فمنهم من قال: بمساواتها لدية المسلم، ومنهم من قال: هي نصف دية المسلم، ومنهم من قال: هي الثلث منها، فهو - رضي الله عنه - أخذ بالأقل.
واعلم أن هذه القاعدة مفرعة على أصلين: الإجماع، والبراءة الأصلية:
أما الإجماع: فلأنا لو قدرنا أن الأمة انقسمت إلى أربعة أقسامٍ:
أحدها: يوجب في اليهودي مثل دية المسلم، وثانيها: يوجب النصف، وثالثها: يوجب الثلث، ورابعها: لا يوجب شيئًا لم يكن الأخذ بأقل ما قيل واجبًا؛ لأن ذلك الأقل قول بعض الأمة؛ وذلك ليس بحجةٍ.
أما إذا لم يوجد هذا القسم الرابع، كان القول بوجوب الثلث قولاً لكل الأمة؛ لأن من أوجب كل دية المسلم، فقد أوجب الثلث، ومن أوجب نصفها، فقد أوجب الثلث أيضًا، ومن أوجب الثلث، فقد قال بذلك؛ فيكون إيجاب الثلث قولا قال به كل الأمة؛ فيكون حجة.
وأما البراءة الأصلية: فلأنها تدل على عدم الوجوب في الكل، ترك العمل به في الثلث، لدلالة الإجماع على وجوبه؛ فيبقي الباقي كما كان، ولهذه النكتة شرطنا في الحكم بأقل ما قيل عدم ورود شيءٍ من الدلائل السمعية؛ فإنه إن ورد شيء من ذلك، كان الحكم لأجله، لا لأجل الرجوع لأقل ما قيل؛ ولهذا