السر اختلف الناس في العدد الذي تنعقد به الجمعة، فقال قائلون: أربعون، وقال قائلون: ثلاثة.
فالشافعي - رضي الله عنه - لم يأخذ بأقل ما قيل؛ لأنه وجد في الأكثر دليلاً سمعيًا، فكان الأخذ به أولى من الأخذ بالبراءة الأصلية، وكذلك اختلفوا في عدد الغسل من ولوغ الكلب؛ فقال بعضهم: سبعة، وقال آخرون: ثلاثة فالشافعي - رضي الله عنه - لم يأخذ بالأقل؛ لأنه وجد في الأكثر دليلاً سمعيا.
فإن قلت:(لم لا يجوز أن يقال: (كان يجب الأخذ بأكثر ما قيل؛ لأنه قد ثبت في الذمة شيء واختلفت الأمة في الكمية؛ فقال قوم: هو كل الدية، وقال آخرون: بل نصفها، وقال آخرون: بل ثلثها، فإذا لم تحصل مع واحدٍ من هذه الأقوال دلالة سمعية، تساقطت.
ولا يحصل براءة الذمة باليقين إلا عند أداء كل دية المسلم؛ فوجب القول به؛ ليحصل الخروج عن العهدة بيقينٍ):
والجواب: أنه لما كان الأصل براءة الذمة، امتنع الحكم بكونها مشغولة إلا بدليل سمعي، فإذا لم يوجد دليل سمعي سوى الإجماع، والإجماع لم يثبت إلا في أقل المقادير - لم يثبت شغل الذمة إلا بذلك الأقل.
فإن قلت:(هب أنه لم يوجد دليل سوى الإجماع؛ لكنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول؛ فلعله ثبت في الذمة حق أزيد من أقل ما قيل، فإذا كان هذا الاحتمال قائمًا، لم يثبت الخروج عن العهدة باليقين، إلا بأكثر ما قيل):
قلت: لما لم يوجد سوى الإجماع، والإجماع لم يدل إلا على أقل ما قيل