قال الرازي: اختلفوا في أنه، هل يجوز أن يقول الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو للعالم:(احكم، فإنك لا تحكم إلا بالصواب؟): فقطع بوقوعه مويس بن عمران. وقطع جمهور المعتزلة بامتناعه، وتوقف الشافعي - رضي الله عنه - في امتناعه وجوازه، وهو المختار؛ وصحة هذا التوقف لا تظهر إلا بالاعتراض على أدلة القاطعين.
أما المانعون: فقد تعلقوا تارة بما يدل على امتناع وقوعه، وأخرى بما يدل على عدم وقوعه.
أما الوجه الأول: فتقريره: أن من أجاز هذا التكليف: إما أن يجعل الاختيار مما تتم به المصلحة، أو يجعل الفعل مصلحة في نفسه، ثم يختاره المكلف.
والأول باطل؛ لوجهين:
أحدهما: أن على هذا التقدير: يسقط التكليف؛ لأن المكلف، متى قال:(إن اخترته، فافعله، وإن لم تختره، فلا تفعله) فهذا محض إباحةٍ.
وثانيهما: أن المكلف لا ينفك عن الفعل والترك، ولا يجوز تكليف المرء بما لا يمكنه الانفكاك عنه؛ بخلاف التخيير في الكفارات الثلاث؛ فإنه يمكنه الانفكاك عنها أجمع.