الثاني: أن أكثر العمومات والمطلقات مخصصة ومقيدة، فلو كان الخبر الذي لا يطابق المخبر كذبا، لتطرق الكذب إلى كلام الشارع.
واحتج الجمهور: باتفاق الأمة على تكذيب اليهود والنصارى في كفرياتهم، مع أنا نعلم أن فيهم من لا يعلم فساد تلك المذاهب.
ويمكن أن يجاب عنه بان أدلة الإسلام، لما كانت جلية قوية، كان حالهم شبيها بحال من أخبر عن الشيء، مع العلم بفساده.
تنبيه: واعلم أن الخبر: إنا أن يقطع بكونه صدقا، أو بكونه كذبا، أو لا يقطع بواحد منهما، فلا جرم رتبنا هذا الكتاب على قسمين: القسم الأول في الخبر المقطوع به، وهو: إما أن يكون صدقا، أو كذبا:
أما الصدق: فطريق هذا القطع: إما أن يكون هو التواتر، أو غيره:
ونحن نتكلم أولا في التواتر، ثم في سائر الطرق المفيدة للقطع، ثم في الطرق التي يظن أنها تفيد القطع، وإن لم تكن كذلك.
المسألة الخامسة
الخبر إما صدق وإما كذب
قال القرافي: قوله: "إذا قال: زيد في الدار مع أنه ليس في الدار، وهو يظن أنه في الدار لم يقل أحد: إنه كذب":
قلنا: لا نسلم، بل جمهور أهل السنة لا يشترطون في الكذب الشعور بعدم المطابقة، بل يكفى عندهم في الكذب عدم المطابقة؛ لقوله عليه السلام:"من كذب علي عامدا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" فدل بمفهومه على انه يمكنه أن يكذب غير متعمد.