خالعها ثلاثًا، ثم تغير اجتهاده: فإما أن يكون قد قضى القاضي بصحة ذلك النكاح قبل تغير اجتهاده، أو ما قضى بذلك:
فإن كان الأول: بقي النكاح صحيحًا؛ لأن قضاء القاضي، لما اتصل به، فقد تأكد، فلا يؤثر فيه تغير الاجتهاد.
وإن كان الثاني: لزم تسريحها، ولم يجز له إمساكها على خلاف اجتهاده.
وأما الثاني: وهو ما إذا أمسك العامي زوجته بفتوى المفتي؛ بأن الخلع فسخ، فإذا تغير اجتهاد المفتي، فالصحيح: أنه يجب عليه تسريحها؛ كما إذا تغير اجتهاد متبوعة عن القبلة في أثناء الصلاة، فإنه يتحول إلى الجهة الأخرى؛ بخلاف قضاء القاضي؛ فإنه متى اتصل بالحكم المجتهد فيه، استقر.
واعلم أن قضاء القاضي لا ينتقض؛ بشرط ألا يخالف دليلاً قاطعًا، فإن خالفه، نقضناه.
الركن الرابع
حكم الاجتهاد
قال القرافي: قوله: (وضع الله - تعالى - على هذه المطالب أدلة يقينية، ومكن العقلاء من معرفتها):
قلنا: أما الوضع فمسلم، وأما تمكين جميع العقلاء فممنوع؛ لأن التمكين عبارة عن كون الإنسان بحيث لو تحرك بجميع قوته في النظر والفكر وصل إلى ذلك المطلوب غالبًا.
وهذا إنما يكون مع صلاحية المزاج، وجودة العقل، وأما البهيمية فليس لها التمكن من معرفة دقائق الأدلة العقلية؛ بل ولا ظواهرها، والبلهان كثير، والنسوان قريب من البهائم، فلا مكنة لهم، وإن أردتم أن الله - تعالى - مكن بعض العقلاء، فمسلم، ولكن النزاع في الكلية لا في الجزئية.