قال الرازى: ثبوت الحكم في الأصل: إما أن يكون يقينيا، أو لا يكون: فإن كان يقينيا؛ استحال أن يكون ثبوت الحكم في الفرع أقوى منه؛ لأنه ليس فوق اليقين درجة، أما إذا لم يكن يقينيا، فثبوت الحكم في الفرع: إما أن يكون أقوى من ثبوته في الأصل، أو مساويا له، أو دونه:
مثال الأول: قياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف؛ فإن تحريم الضرب، وهو الفرع، أقوى ثبوتا من تحريم التأفيف، الذي هو الأصل.
ومثال الثاني: قوله - عليه الصلاة والسلام -: (لا يبولن أحدكم في الماء الراكد) فإنا نقيس عليه ما إذا بال في الكوز، ثم صبه في الماء الراكد، ولا تفاوت بين الحكم في الأصل والفرع، وهذا هو الذي يسمى بالقياس في معنى الأصل.
ومثال الثالث: جميع الأقيسة التي يتمسك الفقهاء بها في مباحثهم، وأما مراتب التفاوت، فهي بحسب مراتب الظنون، ولما كانت مراتب الظنون محصورة، فكذا القول في مراتب هذا التفاوت.
المسألة الرابعة
قال:(إن كان الحكم في الأصل يقينا استحال أن يكون الفرع أقوى): قلنا: لا نسلم؛ لأنا قد بينا أن اليقينيات قد تختلف في الجلاء، بدليل أن (الواحد نصف الاثنين أجلى) من غيره من الحسابيات المعلومة بالضرورة، والحسيات أجلى من (الواحد نصف الاثنين)، والمرئيات أجلى من الملموسات.