أحدهما: الإجماعان المختلف فيهما عند المجتهدين كالإجماع الذي يحدث عن قول البعض، وسكوت الباقين.
وثانيهما: الإجماع المنقول بطريق الآحاد، فهذان القسمان في محل الترجيح.
وأما الذي يقال: إن أحدهما متفق عليه، والآخر مختلف فيه: فإن أريد به عدم الاختلاف في أحدهما، ووقوعه في الآخر، فذلك ليس من باب الترجيح؛ لأن تقدم المعلوم على المظنون قطعي، وإن عنى به قلة الاختلاف في أحدهما، وكثرته في الآخر، فلا نسلم أن هذا القدر يوجب الترجيح.
ولنختم هذا الفصل بشيء، وهو: أنه إذا تعارض قياسان، وكان وجود الأمر الذي جعل علة لحكم الأصل في أحد القياسين معلومًا، وفي الآخر مظنونًا - كان الأول راجحًا؛ لما بينا: أن القياس الذي بعض مقدماته معلوم - راجح على ما كان كل مقدماته مظنونًا.
"القول في الترجيح بدليل العلة"
قال القرافي: قوله: (العلم بوجود العلة قد يكون بديهيا، أو حسيا، أو استدلاليا بعقل محض، أو نقل محض، أو مركب منهما":
تقريره: أن البديهي كالعلم بكون سم الأفاعي علة الضرر للحيوان في العادة والحس، كإزالة العنق؛ فإنه يعلم وجوده بالحس، وهو علة الموت والعقل الصرف، نحو: كون العلم علة العالمية.
وكذلك كل معنى مع حكمه في محلة من الأعراض وغيرها، والنقل كقوله تعالى:} كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم {.
والمركب منهما كما إذا دل السمع على أن القلتين في الماء يدفعان الخبث، ودل العقل بالحرز أن هذا الماء قلتان فأكثر.