النية كعدمها، واتفقنا على أنه، لو لم ينو، حنث بأي مأكول كان، فكذلك النية التي هي غير معتبرة، وبقى البحث معهم في تقرير هذه القاعدة، فلم قالوا:" إنها لا في الملفوظ " مع أنهم نقضوا ذلك بما إذا صرح بالمصدر، وتأثيرها حينئذ إنما هو في غير الملفوظ، هذا بحكم مبهم، وظواهر النصوص يرد عليهم مثل قوله عليه السلام:" وإما لكل امرئ ما نوى " وهو حديث عام، لم يخصه صاحب الشرع بالملفوظ، ولا بغيره؛ لقوله:" الأعمال بالنيات " الشامل لكل عمل لا سيما، وسؤال التقييد ما أجابوا عنه؛ فإنهم إنما أجابوا عن التخصيص دون التقييد، وهو عكسه، ولا يلزم من امتناعه امتناعه؛ كما تقدم.
ومنها: قوله تعالى؛ حكاية عن يعقوب عليه السلام أنه قال لبنيه عن أخي يوسف:{لتأتني به إا أن يحاط بكم}[يوسف: ٦٦]، فاستثناء حالة الإحاطة من جملة الحالات، والأحوال التي تعرض لهم مفهوم خارج عن مفهوم الإتيان الذي دخل عليه الاستثناء، والاستثناء إنما يصح فيما يمكن أن يتعلق به النية؛ فإنه لفظ دال على ما في النفس، فلو لم يتقرر في النفس إخراج هذه الحالة من جملة الحالات لما أتى بالاستثناء، إلاعلى إخراجها، واللفظ إنما هو مقصود السامع، والحالف لا يحتاج أن يعلم السامع، فيبقى ذلك الإخراج في نفسه يوجب له حكم عدم الحنث، ومن استقرا النصوص من الكتاب والسنة، وجد فيها أشياء كثيرة من هذا الباب تقوم بها الحجة على جواز الإخراج من عوارض الألفاظ دون مدلوله، ثم نحن يكفينا أن لم نجد ما يمنع من ذلك، والأصل براءة الذمة، والأصل عدم المنع والحجر؛ فعليهم هم الدليل على منع ذلك، فهذه القاعدة هي سر البحث عندهم، ثم إنهم قاسوا على الطروق؛ فمنعناهم الحكم في الأصل، ونحن قسنا على التصريح بالمصدر، ولم يمكنهم المنع، فتعين الحق في هذه الجهة.