وأما المفعول به، فلا يتعدى إليه إلا الفعل المتعدي، فهو مقتض بخصوص التعدي، دون عموم اللفظ، والاقتضاء الخاص يقدم على الاقتضاء العام؛ بدليل قول الفقهاء: إن الصلاة في الثوب الحرير تقدم على الصلاة في الثوب النجس؛ لاختصاصها بالصلاة، والمحرم يأكل الميتة ولا يأكل الصيد عند الضرورة والتعارض؛ لأن الإحرام يقتضي تحريم خصوص الصيد، والاقتضاء الخاص مقدم، ونظائره كثيرة، فهذه ثلاثة أجوبة.
قوله:" اتفقنا على التخصيص، إذا قال: لا أكلت أكلا ".
تقريره: أن النحاة اتفقوا على أن ذكر المصدر بعد الفعل، إنما هو للتأكيد، والتأكيد عبارة عما لم ينشأ سببا لم يكن في الاصل غير تقوية ما فهم من الأصل، فجميع الأحكام الثابتة بعد التأكيد هي الأحكام الثابتة قبله، غير التقوية ليس إلا؛ وحينئذ جواز التخصيص من جملة الأحكام، وهو ثابت بعد النطق بالمصدر؛ فيثبت قبله، وهو محل النزاع، وهذا تقرير في غاية الظهور والقوة.
قوله:(اكلا) ليس مصدرا " خلاف إجماع النحاة؛ فإنا نقول: اكل يأكل أكلا، وجميع أئمة العربية على إعرابة مصدرا.
قلنا: قيد كونه منكرا خارج عن الماهية.
قوله:" ليس في (أكلا) إلا الماهية؛ من حيث هي ماهية الأكل، وهي صادقة على التقليل والكثير من جنسها " وهذا هو حقيقة المصدر، وحقيقة النكرة؛ فإن النكرة كل اسم شائع في جنسه لا يخص واحدا منها دون الآخر، ولا شك أن أصل الماهية التنكير.
قال النحاة: ولذلك كان التعريف يمنع الصرف؛ لأنه فرع عن التنكير؛ فحينئذ ليس التنكير عارضا، بل هو أصل الحقيقة.