وثانيها: أن أهل اللغة، إذا أرادوا إفهام غيرهم معنى، اقتصروا على عبارات
مخصوصة، وإذا عبروا عنه بعبارات أخرى، لم يقتصروا عليها، بل ذكروا معها قرينة؛ فيعلم أن الأول حقيقة؛ إذ لولا أنه استقر في قلوبهم استحقاق تلك اللفظة لذلك المعنى، لما اقتصروا عليها.
وثالثها: إذا علقت الكلمة بما يستحيل تعليقها به، علم أنها في أصل اللغة غير موضوعة له، فيعلم أنها مجاز فيه؛ كقوله تعالى:{واسأل القرية}] يوسف: [.
ورابعها: أن يضعوا اللفظ لمعنى، ثم يتركوا استعماله إلا في بعض مجازاته، ثم استعملوه بعد ذلك في غير ذلك الشيء، علمنا كونه مجازا عرفيا؛ مثل استعمال لفظ الدابة في الحمار.
فالخاصيتان الأوليان للحقيقة، والأخريان للمجاز.
وأما الفروق الضعيفة، فقد ذكر منها الغزالي وجوها أربعة:
أحدها: أن الحقيقة جارية على الأطراد؛ فقولنا:(عالم) لما صدق على ذي علم واحد، صدق على كل ذي علم، والمجاز ليس كذلك؛ فإنه لما صح:{واسأل القرية}] يوسف: ٨٢ [صح (واسأل البساط).
وهذا ضعيف؛ لأن الدعوى العامة لا تصح بالمثال الواحد.
وأيضا، إن أراد باطراد الحقيقة استعمالها في جمع موارد نص الواضع، فالمجاز أيضا كذلك؛ لأنه يجوز استعماله في جميع موارد نص الواضع، فلا يبقى بينهما فيه فرق.
وإن أراد استعمال الاسم في غير موضع نص الواضع؛ لكونه مشاركا للمنصوص عليه في المعنى، فهذا هو القياس، وعنده لا قياس في اللغات.