جاء في قوله تعالى:{الذين قال لهم الناس، إن الناس قد جمعوا لكم}[آل عمران: ١٧٣] أن القائل واحد.
وفي قوله تعالى:{أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله}[النساء: ٥٤] أن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان الخلاف في جمع القلة، فهو متجه؛ لأنه مجموع للعشرة فما دونها فيمكن أن يقال أقله اثنان، فهذا، وإن تصورناه من حيث الوضع اللغوي، لا يستقيم أن يكون المراد بخصوصه للعلماء؛ لأنهم يقولون: فرقت العرب بين التثنية والجمع؛ فقالوا: رجلان، ورجال، فمثلوا برجال ونحوه، وهو جمع كثرة، وكذلك في الفتاوى؛ فلم يفرقوا بين الأقارير والوصايا، والنذور والأيمان، والاستدلالات على الأحكام في مقام المناظرة، والاجتهاد بين جمع القلة وجمع الكثرة، بل يقولون فيمن قال له:" على دنانير ": يلزمه ثلاثة، كما لو قال (أفلس) لا يفرقون بين الصيغتين؛ فدل ذلك على أن مرادهم ما هو أعم من جمع القلة؛ وحينئذ يكون مرادهم غير معقول، فإن أقل الجمع الذي للكثرة أحد عشر؛ كما تقدم، فهذا وجه الإشكال.
وأكثر من يتعرض للجواب عنه يقول: بحث العلماء في هذه المسألة ليس بحسب الحقيقة اللغوية، بل بحسب الحقيقة العرفية، وأهل العرف لا يعتبرون الفرق بين جمع القلة أو الكثرة، وهذا الجواب باطل لوجوه:
الأول: أن البحث في مسائل أصول الفقه، إنما يقع عن تحقيق اللغة؛ ليحل عليها الكتاب والسنة، والبحث عن العرف إنما يقع تبعا، وحمل كلام العلماء على الغالب، هو المتجه.
وثانيها: أنهم إذا استدلوا، لا يقولون:" قال أهل العرف " ولا " فرق أهل العرف " بل يقولون. " فرقت العرب بين التثنية والجمع " وجميع