وإن نسيه، لزمه أن يستأنف الاجتهاد، فإن أداه اجتهاده إلى خلاف فتواه في الأول أفتى بما أداه اجتهاده إليه ثانيًا، ثم الأحسن به أن يعرف من استفتاه أولاً: أنه رجع عن ذلك القول؛ لأن ذلك المستفتي إنما يعول على قوله، فإذا ترك هو قوله، بقي عمل المستفتي به بعد ذلك عملاً من غير موجب.
روي عن ابن مسعود" أنه كان يقول في تحريم أم المرأة:(مشروط بالدخول بالمرأة)، فلقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذاكرهم، فكرهوا أن يتزوجها: فرجع ابن مسعودٍ إلى من كان أفتاه قال: (سألت أصحابي، فكرهوا).
وأما إن لم يستأنف الاجتهاد، لم تجز له الفتوى.
ولقائل أن يقول:(لما كان الغالب على ظنه أن الطريق الذي تمسك به أولاً، كان طريقًا قويا، حصل له الآن ظن أن ذلك القوي حق جاز له الفتوى به؛ لأن العمل بالظن واجب.
مسألة: اختلفوا في أن غير المجتهد، هل تجوز له الفتوى بما يحكيه عن الغير؟!.
فنقول: لا يخلو: إما أن يحكي عن ميتٍ، أو عن حي:
فإن حكى عن ميتٍ: لم يجز الأخذ بقوله؛ لأنه لا قول للميت؛ بدليل أن الإجماع لا ينعقد مع خلافه حيا، وينعقد مع موته، وهذا يدل على أنه لم يبق له قول بعد موته.
فإن قلت: (فلم صنفت كتب الفقه، مع فناء أربابها):
قلت: لفائدتين:
إحداهما: استفادة طريق الاجتهاد من تصرفهم في الحوادث، وكيفية بناء بعضها على بعضٍ.