تسمية للدليل باسم المدلول، والأول أولى، لأنه يلزم من فهم الدليل فهم المدلول، ولا يلزم من فهم المدلول فهم الدليل، بل فهم دليل معين.
ورابعها: أن الإنسان الذي قام بقلبه ذلك المعنى ولم ينطق بشيء لا يقال: إنه أمر ألبتة بشيء.
وإذا قيل:(أمر فلان بكذا) تبادر الذهن إلى اللفظ دون ما في القلب، وذلك يدل على أن لفظ الأمر اسم للصيغة، لا للمدلول.
احتج المخالف بالآية، والأثر والشعر، والمعقول:
أما الآية: فقوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا: نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون)[المافقون:١] الله تعالى كذبهم في شهادتهم، ومعلوم أنهم كانوا صادقين في النطق اللساني، فلا بد من إثبات كلام في النفس، ليكون الكذب عائدا إليه.
وأما الأثر، فقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(زورت في نفسي كلاما، فسبقني إليه أبو بكر)
وأما الشعر: فقول الأخطل [الكامل]:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وأما المعقول: فهو: أن هذه الألفاظ مفردات، فلو سميت كلاما، لكانت: إنما سميت بذلك، لكونها معرفات للمعنى النفساني، فكان يجب تسمية الكتابة والإشارة كلاما، وإنه باطل.
والجواب عن الأول: أن الشهادة هي الإخبار عن الشيء مع العلم به، فلمّا لم يكونوا عالمين به، فلا جرم كذبهم الله تعالى في ادعائهم كونهم شاهدين.