تقريره: أن الحقائق في نفس الأمر، صفات نسبتها إليهما كنسبة صفات لنفوس إليها، مثال: العقرب من صفاتها تأليف الجسمية، ويمتنع أن يكون عقربا بدون ذلك، فنسبة هذا المعنى إليه كنسبة العلم إلى النفس من جهة أنه لايجوز خلافي، ومن صفاتها غلبة الأذى عليها، فنسبه هذا المعنى إليه كنسبة الظن للنفس من جهة أن فيه طرفا راجحا وطرفا مرجوحا، ومن صفاتها أن نسبة ذاتها إلى حصولها في البقعة المعينة، ولا حصولها على السواء، فنسبة هذا إليها كنسبة الشك إلى النفس من جهة الاستواء، وكذلك الغيم الرطب يوصف بالجسمية، فلا يجوز خلافها، ونقله للأمطار فيكون راجحا كالظن في النفس، ونسبته إلى نفعه من الأرض نسبة واحدة، وكذلك جميع الحقائق، وظهر بهذا أن الرجحان والغلبة قد يكون في المعتقد كالمطر ونحوه، وقد يكون في الاعتقاد، وهو الطرف الراجح المسمى ظنا، فعلى هذا الاعتقاد المتعلق برجحان المعتقد قد يكون علما، كما نعقتد نحن في رجحان أذى العقرب وغلبته، فإنه معلوم لنا، وقد يكون ظنا في حق من لم يرها قط، نظرا إلى شوكها وسرعة حركتها، فيغلب على ظنه أنه حيوان مؤذ، وقد يكون شكا، كما إذا استوى عنده الأمران، أو تقليدا كما إذا سألنا وقلدنا، أو جهلا مركبا، بأن يكون في أرضه حيوان شائك شبها، فظن أنها ذلك الحيوان، واعتقد انها عظيمة النفع عديمة الضرر، كذلك الحيوان الذي بأرضه؛ لأنه لم يرها إلا لآن، فهذا جهل مركب، فظهر أن الاعتقاد المتعلق بالرجحان الكائن في الحقائق التى هي المعتقدات تنقسم إلى خمسة:
العلم، والظن، التقليد، والجهل المركب، والشك على ما تقدم له في التقسيم، وإلا فالشك ليس اعتقادا.
وأما رجحان الاعتقاد فهو الاحتمال الراجح الكائن في النفس، فيتعذر أن