قلنا هذا يقتضي أن الكذب يطلق على ما في النفس، والمدعي ليس هو الكذب، إنما هو الأمر، فأين أحدهما من الاخر؟
وجوابه: أن المحسن لهذا الاستدلال أن النزاع في جميع هذه الأنواع واحد: الكلام، والأمر، والنهي، والخبر، والدعاء، والتكذيب، والتصذيق، فمتى ثبت أن بعضها لما في النفس لزم أن يكون الباقي لما في النفس، فهذا هو المحسن لهذا الاستدلال، ويسمونه النظار بالغرض والبناء، وهو أن يكون الدليل يأتي في بعض صور النزاع دون بقيتها، فتتبين صورة الذي يقوم فيه الدليل، ثم يثبتون الباقي عليه لكونه لا قائل بالفرق، فيكون البعض بالدليل، والبعض بالإجماع المركب
قوله:(لو سميت الألفاظ كلاما لكان لكونها معرفة لما في النفس، فيلزم ذلك في الإشارة وغيرها، وهو باطل):
تقريره: أن هذه الألفاظ ينبغي ألا تسمى كلاما، لأنها لو سميت بذلك لكان لمكان دلالتها المشتركة بينها وبين الكتابة، فيلزم تسمية الجميع كلاما حقيقة، وهو باطل إجماعا.
ويرد عليه: زنها تسمى كلاما لا للمشترك بينها وبين غيرها من الكتابة والإشارة، بل لأن ذلك غير معلل بمشترك ولا غيره، أو معلل بمشابهة الكلوم التي هي الجراح من جهة أن بعضها يؤلم، ويكثر ضرره كالجراح المؤذية، وبعضها يعظم نفعه كالفصادة ونحوها لدفع الأمراض المهلكة، فالكلام من الكلام، وكذلك نص عليه النحاة.
وهذه المشابهة في الألفاظ أقوى من غيرها، إما لسهولة النطق بها كما تقدم في باب الكلام، وإما لكونها أوصل للنفس؟