والدليل على فساد هذا القول: أن التخيير معناه: أن الشرع جوز له ترك كل واحد منها، بشرط الإتيان بالآخر وكونه واجبا على التعيين عند الله تعالى معناه أنه تعالى منعه من تركه على التعيين والجمع بين جواز الترك وعدم جوازه متناقض، فصح ما ادعيناه أنه يمتنع أن يكون كل واحد منها واجبا على التعيين.
فإن قلت: لانسلم أن التخيير ينافي تعيينه عند الله تعالى: بيانه: أن الله تعالى، وإن خير بين الكفارات، لكنه علم أن المكلف لا يختار إلا ذلك الذي هو واجب، فلا يحصل الإخلال بالواجب.
أو نقول: لم لا يجوز أن يقال: إن لاختيار المكلف تأثيرا في كون ذلك الفعل المختار واجبا؟
أو نقول: لا يمتنع أن يكون ماعدا ذلك الفعل المعين مباحا، ويسقط به الفرض، كما يقولون: إن الإتيان بالفعل المحظور قد يسقط به الفرض كالصلاة في الدار في الدار المغصوبة.
قلت: الجواب عن الأول: أن الله تعالى؛ لما خيرنا بين الأمرين، فقد أباح لنا ترك كل واحد منهما؛ بشرط الإتيان بالثاني، ووجوبه على التعيين: معناه: أنه تعالى لم يجوز لنا تركة ألبتة، فلو خير الله تعالى بينه وبين غيره مع أن جعله واجبا على التعيين لكنا قد جمع بين جواز الترك، وبين المنع منه.
أما قوله:(إن لاختيار المكلف تأثيرا):
قلت: لانزاع في تحقق الوجوب قبل الاهتيا، فمحل الوجوب، إن كان واحدا معينا فهو باطل، لأن التخيير ينافي التعيين.