الثاني: أن الآمر بالشيء قد يكون غافلًا عن ضده، والنهي عن الشيء مشروط بالشعور به، فالآمر بالشيء حال غفلته عن ضد ذلك الشيء - يمتنع أن يكون ناهيًا عن ذلك الضد، فضلًا عن أن يقال: هذا الأمر نفس ذلك النهي.
والجواب: قوله: "الأمر بالمحال جائز":
قلنا: هب أنه جائز؛ ولكن لا تتقرر ماهية الإيجاب في الفعل، إلا عند تصور المنع من تركه؛ فكان اللفظ الدال على الإيجاب دالًا على المنع من الإخلال به؛ ضمنًا.
قوله:"قد يأمر بالشيء حال غفلته عن ضده":
قلنا: لا نسلم أنه يصح منه إيجاب الشيء عند الغفلة عن الإخلال به؛ وذلك لأن الوجوب ماهية مركبة من قيدين: أحدهما: المنع من الترك، فالمتصور للإيجاب متصور للمنع من الترك؛ فيكون متصورًا للترك؛ لا محالة.
وأما الضد الذي هو المعنى الوجودي المنافي: فقد يكون مغفولًا عنه، ولكنه لا ينافي الشيء لماهيته، بل لكونه مستلزمًا عدم ذلك الشيء؛ فالمنافاة بالذات ليست إلا بين وجود الشيء وعدمه.
وأما المنافاة بين الضدين فهي بالعرَض؛ فلا جرم عندنا الأمر بالشيء نهي عن الإخلال به، بالذات، ونهي عن أضداده الوجودية، بالعرض والتبع.
سلمنا أن الترك قد يكون مغفولا عنه؛ لكن كما أن الأمر بالصلاة أمر بمقدمتها، وإن كانت تلك المقدمة قد تكون مغفولًا عنها؛ فلم لا يجوز أن يكون الأمر بالشيء نهيًا عن ضده، وإن كان ذلك الضد مغفولا عنه؟
سلمنا كل ما ذكرتموه، لكن لم لا يجوز أن يقال: الأمر بالشيء يستلزم النهي