فالأول: كالنجاسة المعفو عنها، فإنها موجودة، وهي في حكم الشرع كالمعدومة، وكذلك كل رخصة.
والثاني: كتقدير الملك للمعتق عنه، إذا قال لك: أعتق عبدك عني، فإن الولاء له، فيقدر له الملك حتى يثبت ولاء العتق له، وكذلك تقدير الأعيان في الذمم في السلم وغيره، فإنك تقول: في ذمته جمل أو حنطة، أو دين إلى أجل ونحو ذلك، مع أ، هذه الأشياء معدومة، لكن الشرع يقدرها موجودة لصحة إيراد المعقود، فإن العقد بدون المعقود عليه محال، ولا يكاد باب من أبواب الفقه يعرى عن التقدير، وقد ثبت ذلك في كتاب ((الأمنية في إدراك النية)).
فهذا القسم من الخطاب الذي هو خطاب الوضع للأربعة، لايشترط فيه قدرة المكلف، ولا علمه، فيورث بالنسب، ويطلق بالضرر ونحو ذلك، وإن كان الوارث والمطلق عليه غير عالمين وعاجزين كمالمجنون والغائب وونحوهما، هذا هو الغالب في خطاب الوضع، وقد استنثى صاحب الشرع منه أشياء كالجنايات، فإنها أسباب العقوبات ولا يعاقب عاجز، ولا غير عالم، فمن شرب خمرا يظنه جلابا لا يحد، ومن وطيء أجنبيه يظنها أمته لا يحد، لأن عقوبة العاجز ولاذي لم يقصد الفساد لم يرد به الشرع، وكذلك طلاق الصبي وبيعه لا ينفذان، مع أنهما سببان كالنسب الموجب للإرث، ومقتضى القاعدة أن ينفذا من الصبي، وتخريج هذه المستثنيات مبسوط في الفقه.