وعاشرها: قوله: "يستحيل مهما أمره بفعل على الفور إلى آخره".
معناه: أن يقول له: اجلس في البيت على الفور، فأخر الجلوس في البيت زمانا يمكنه أن يجلس، فيستحيل أن يأمره في زمان عدم جلوسه في البيت الذي أخلاه من الجلوس في البيت بأن يجلس في السوق، فيكون الأمر بالبيت نهيا عن السوق، وبالسوق نهيا عن البيت؛ لأنهما ضدان، فيكون آمراً بهما، وناهياً عنهما، وهو محال.
وجوابه: أنه إنما يستحيل ذلك إذا اتحد الزمان، أما إذا أخر الجلوس في البيت انتقل الأمر به إلى زمان آخر، فإذا قال له: اجلس في السوق كان هذا أيضاً مخصصاً لما فهم من دلالة الالتزام، ويصير هذا الضد غير منهي عنه، بل يصير أمره بالجلوس فيهما، ولو قال ذلك ابتداء لم يسمع، فكذلك إذا أتى به بعد الآخر، فإذا صار التخصيص في دلالة المطابقة، فأولى أن يجوز في دلالة الالتزام، وبه يظهر الجواب عن قوله:"إذا ترك صلاة واحدة سقطت عنه التكاليف كلها"
بل نقول: تخصيص دلالة الإلتزام بها، ولا محال حينئذ، وبه يظهر الجواب عن قوله في:"الصلاة في الدار المغصوبة"؛ فإن وجوب الصلاة وإن اقتضى منع الخروج من الدار، وتحريم الكون في الدار، وإن اقتضى عدم الصلاة؛ لأنه ينافيه، لكن في كل واحد منهما وجهان، فالغصب حرام من جهة أنه استيفاء لمنافع الغير، ويقتضي منع الصلاة من هذا الوجه، وتكون الصلاة واجبة من وجه آخر، وهو وجه العبادة، والصلاة مأمور بها من جهة أنها عبادة، فتقتضي المنع من الخروج من الدار المغصوبة، فيكون الخروج عنها مأموراً به من هذا الوجه، ومنهيا عنه من جهة أنه استيفاء لمنافع الغير، ولا تناقض من اجتماع الضدين، بل النقيضين باعتبارين، هذا إن فرض الوقت مضيقاً في الصلاة، وإلا فلا نسلم أن الأمر بها يقتضي المنع من الخروج، بل الخروج واجب، ويصلى بعد