فإن كانت خاطرة بباله، فتلك التصورات حاصلة، فتحصيلها يكون تحصيلًا للحاصل؛ وهو محال، وإن كانت غير خاطرة بباله، كان الذهن غافلًا عنه، ومتى كان الذهن غافلًا عنه، استحال من القادر أن يحاول تحصيله، والعلم بذلك ضروري.
فإن قلت: لم لا يجوز أن يقال: إنها متصورة من وجه دون وجه آخر؛ فلا جرم يمكنه أن يحصّل كمالها؟
قلت: لما كانت متصورة من وجه دون وجه، فالوجه المتصور مغاير لما ليس بمتصور؛ فهما أمران: أحدهما: متصور بتمامه، والآخر: غير متصور بتمامه؛ وحينئذ يعود الكلام المقدم.
وإنما قلنا: إن التصورات، إذا لم تكن مقدورة، كانت القضايا البديهية غير مقدورة؛ لأن تلك التصورات: إما أن تكون بحيث يلزم من مجرد حضورها في الذهن حكم الذهن بنسبة بعضها إلى بعض بالنفي، أو بالإثبات، أو لا يلزم: فإن لم يلزم، لم تكن تلك القضايا علومًا يقينية، بل تكون اعتقادات تقليدية.
وإن لزم، فنقول: حصول تلك التصورات ليس باختياره؛ وعند حصولها، فترتب تلك التصديقات عليها ليس باختياره؛ فإذن حصول تلك القضايا البديهية ليس باختياره؛ وذلك هو المطلوب.
وإنما قلنا: إن القضايا البديهية، إذا لم تكن باختياره، لم تكن القضايا النظرية باختياره؛ وذلك لأن لزوم هذه النظريات عن تلك الضروريات: إما أن يكون واجبًا، أو لا يكون: