قلنا: هذه العبارة لم تحرر محل النزاع؛ لأن بما لا يقدر المكلف عليه قد يكون معجوزًا عنه متعذرُا عادةً لا عقلًا، كالطيران في الهواء؛ فإنه متعذر عادة ممكن عقلًا، وقد يكون متعذرًا عقلًا، ممكنًا عادة، كمن علم الله تعالى عدم إيمانه؛ فإنه يستحيل وقوع الإيمان منه عقلًا لاستحالة خلاف المعلوم، وإذا سئل أهل العادة عنه قالوا: يمكنه الإيمان، وكذلك جميع الطاعات المقدر عدمها، وقد يكون متعذرًا عقلًا وعادةً، كالجمع بين السواد والبياض.
فمحل النزاع إنما هو من حيث يتعذر الفعل عادة كان معه التعذر العقلي أم لا؟
وهو قسمان: المتعذر عادة فقط، والمتعذر عادة وعقلًا، أما المتعذر عقلًا فقط، فلا خلاف فيه وننبهك على ذلك أن المعتزلة من أبعد الناس عن التكليف المتعذر؛ لقولهم: بالحسن والقبح، ومع ذلك فقد أجمعوا معنا على أمور:
منها: أن الله تعالى كلف الثقلين أجمعين بالإيمان.
ومنها: ان الله تعالى علم أن أكثرهم لا يؤمنون، وأخبر عنهم بذلك بقوله تعالى:{وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}] يوسف: ١٠٣ [.
ومنها: أن خلاف المعلوم محال وقوعه عقلًا، ومع تسليمهم بهذه المقدمات، فقد قالوا بوقوع: تكليف ما لا يطاق عقلًا جزمًا.
وإنما ينازعوننا في المتعذر عادة، كيف كان متعذرًا عقلًا أم لا؟ هذا تلخيص محل النزاع، وبه يظهر لك بطلان أكثر ما وقع في المسألة من الأدلة.